تراجع السياسة النسوية.. الحكومة الكندية تفضل التجارة والأمن على قيم حقوق الإنسان

تراجع السياسة النسوية.. الحكومة الكندية تفضل التجارة والأمن على قيم حقوق الإنسان
رئيس الوزراء الكندي، مارك كارني - أرشيف

ركزت السياسة الخارجية الكندية بشكل واضح على التجارة والأمن، في حين بدا أن أوتاوا تغير طريقة عرض قيمها على الساحة الدولية، هذا التحول أثار قلق المراقبين الذين يرون أن حقوق الإنسان لم تعد تحظى بالأولوية نفسها، ما يثير تساؤلات حول التزام كندا المستقبلي بالدفاع عن هذه الحقوق عالمياً، وفقاً لتقرير نشرته وكالة الصحافة الكندية.

وقال البروفيسور ستيفن براون من جامعة أوتاوا: "لن يُصرّحوا بذلك علناً، لكننا سنُقلّل من اهتمامنا بالقيم، لكن من الواضح أن هذا هو الواقع".

وكان رئيس الوزراء مارك كارني قد صرّح للصحفيين بأن كندا لا تزال تدافع عن حقوق مجتمع الميم ومكافحة العنف ضد المرأة، رغم التراجع عن سياسة خارجية نسوية صريحة، وقال خلال قمة مجموعة العشرين في جوهانسبرغ: "نعم، لدينا هذا الجانب في سياستنا الخارجية، لكنني لا أصف سياستنا الخارجية بأنها سياسة خارجية نسوية".

التراجع عن المبادئ

اتهم وزير الخارجية السابق لويد أكسورثي كارني باتباع نهج "تملق" للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من خلال تجاهل القيم الكندية لضمان فرص التجارة، وانتقد الحكومة لكونها جزءًا من "انهيار الشجاعة الجماعية" عالميًا، ومنه عدم إدانة الولايات المتحدة لفرض عقوبات على أعضاء محكمة العدل الدولية.

 وأكد أكسورثي الأسف لعدم قيام أوتاوا بحملة قوية لمنع الدول من الانسحاب من معاهدة أوتاوا لمنع استخدام الألغام الأرضية.

وأشارت الحكومة في ميزانية نوفمبر إلى عزمها تقليص تمويل مبادرات الصحة العالمية، "حيث نما إسهام كندا بشكل غير متناسب مقارنةً باقتصادات أخرى مماثلة".

قال البروفيسور ستيفن براون الذي يركز بحثه على المساعدات الخارجية: "هذا يعني فعلياً أن كندا لم تعد ترغب في أن تكون رائدة كما كانت من قبل"، وأضاف أن أوتاوا بات يُنظر إليها على أنها تُرضي إدارة ترامب بدلًا من تعزيز رؤيتها الخاصة لحقوق الإنسان والقانون الدولي.

وأكد براون أن السمعة لها تأثير كبير في المفاوضات الدولية، موضحًا: "إذا نظر الناس إلى كندا على أنها تخشى الاختلاف مع الولايات المتحدة، فسيُنظر إليها على أنها ضعيفة، وهذا يُضعف موقفنا على الصعيد الدولي".

وأكدت وزيرة الخارجية أنيتا أناند أمام الأمم المتحدة أن كندا لا تزال تعزز حقوق الإنسان التي تعد الركيزة الثالثة للسياسة الخارجية الكندية إلى جانب الأمن الاقتصادي والدفاع.

أبلغت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم في 27 نوفمبر أن التحولات الجيوسياسية تتطلب تعديل طريقة حديث كندا عن القيم، وقالت: "سنحرص على استمرار التزاماتنا تجاه المساواة بين الجنسين، وحقوق الإنسان، وقضايا المرأة والفتاة بما يراعي السياق الجيوسياسي والمالي الجديد، وكلاهما يتطلبان إطارًا مختلفًا".

وكُلّف ستيفن ناجي، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة المسيحية الدولية في طوكيو، بتدريب الدبلوماسيين، وقال إن الوزارة لم تطلب منه التطرق إلى قضايا النوع الاجتماعي والهوية، رغم كونها جزءًا من التدريب في السنوات السابقة.

وأوضح: "لو كانت هذه القضايا من الأولويات، لكانت الدورة قد خصصت لها ساعتين على الأقل".

إعادة ترتيب الأولويات

قال ستيفن ناجي إن حكومة ترودو وضعت قضايا البيئة والعمل والمساواة بين الجنسين في صدارة تفاعلاتها مع الدول الآسيوية، في حين ركزت الدول الآسيوية الأخرى على التجارة والأمن وسلاسل التوريد، موضحاً أن إثارة قضايا حقوق مجتمع الميم حساسة في معظم الثقافات الآسيوية، باستثناء تايوان.

وأشار براون إلى أن السياسة الخارجية النسوية سابقًا كانت جزءًا من نظرة العالم إلى حكومة ترودو، لكنها افتقرت للتماسك في التعامل مع هذه القضايا في الاتفاقيات التجارية التي تناولت الحقوق بطريقة "غير قابلة للتنفيذ"، وقد تحفّز الدول على بذل جهود دون عواقب فعلية.

وطالب المدافعون عن حقوق المرأة ومجتمع الميم الحكومة الكندية بتوضيح موقفها من السياسة الخارجية النسوية بعد تصريحات كارني، وفقًا لتقرير موقع "آي بوليتيكس" الكندي.

وذكرت رسالة مفتوحة نسقتها منظمة "أوكسفام كندا" أن 92 منظمة و162 فردًا أعربوا عن قلقهم البالغ من أن كندا تدعم المساواة لكنها لم تعد تتبنى سياسة خارجية نسوية.

وأشارت الرسالة إلى أن التراجع عن الموقف القيادي في وقت يشهد تراجعات عالمية حادة يرسل رسالة خاطئة إلى العالم، داعية أوتاوا إلى الالتزام بتعهدها تجاه الصحة الجنسية، وتعزيز دور المرأة في السلام والأمن، وتمويل برامج مجتمع الميم والنساء.

وطالب المدافعون عن حقوق المرأة حكومة كارني بإعادة تعيين السفيرة جاكلين أونيل لشؤون المرأة والسلام والأمن بعد انتهاء ولايتها، لضمان استمرار تطبيق التحليل النسوي في جميع أبعاد السياسة الخارجية، ومنها التجارة والدفاع.

وأكدت الرسالة أن أوتاوا بحاجة إلى معالجة التحديات عبر الحدود التي تهدد المكاسب النسوية، مشيرة إلى دور السفيرة السابق في الاستفادة من تجارب الدول الأخرى لمعالجة التمييز، خاصة ضد نساء السكان الأصليين.

وأوضح ستيفن ناجي أن الإطار الاقتصادي الجديد للسياسة الخارجية يُعد وسيلة ذكية لتحقيق أهداف حقوق الإنسان مع التركيز على التنمية البشرية، مضيفًا أن حكومة ترودو ما تزال شريكًا قيّمًا في آسيا لجهودها في مجالات مثل رصد السفن والالتزام بالعقوبات، ما عزز ثقة الدول في دور كندا.

وأكد ناجي أن الدبلوماسية الاقتصادية جعلت الدول في المنطقة تشعر بالارتياح لأنها لم تعد مضطرة لمناقشة سياسات النوع الاجتماعي أو الهوية، في حين يمكن لكندا الحفاظ على تأثيرها في مجال حقوق الإنسان بطريقة أكثر مرونة.

القيم والاقتصاد

أوضح البروفيسور براون أن الموازنة بين تعزيز المساواة الاقتصادية والحقوق النسوية يمثل تحديًا، حيث تسعى أوتاوا لتعزيز المساواة بين الجنسين مع التركيز على البعد الاقتصادي، وأشار إلى أن التوجه الجديد قبل قمة مجموعة العشرين حدد المساواة بين الجنسين بوصفها عاملاً رئيسياً لتحقيق نمو اقتصادي شامل ومستدام، بدلًا من التركيز على الصحة الجنسية والحقوق الإنجابية.

وأضاف ناجي أن التعديلات الطفيفة في صياغة السياسات تسمح بتحقيق أهداف حقوق الإنسان دون إثارة جدل في الدول الشريكة، مشددًا على أهمية صياغة سياسات حقوق الإنسان بطريقة تدعم التنمية البشرية على المدى الطويل.

ويُظهر تحليل وكالة الصحافة الكندية وموقع آي بوليتيكس أن تحوّل السياسة الخارجية الكندية تحت قيادة كارني نحو التجارة والأمن على حساب التركيز النسوي التقليدي يفتح نقاشًا حقوقيًا واسعًا حول قدرة أوتاوا على الاستمرار في تعزيز قيم حقوق الإنسان عالميًا، خصوصًا في ظل الانتقادات من منظمات المجتمع المدني والدول الشريكة، ويبرز ذلك الحاجة الملحة لإعادة صياغة السياسات بطريقة تجمع بين الاقتصاد والتنمية وحقوق الإنسان، لضمان أن كندا لا تفقد مكانتها القيادية في مجال المساواة وحقوق المرأة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية